
وقوله : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) قال البخاري : قال سالم : الموت
وسالم هذا هو : سالم بن عبد الله بن عمر ، كما قال ابن جرير :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، حدثني طارق بن عبد الرحمن ، عن سالم بن عبد الله : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) قال : الموت
وهكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيره
والدليل على ذلك قوله تعالى إخبارا عن أهل النار أنهم قالوا : ( لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) [ المدثر : 43 – 47 ]
وفي الصحيح من حديث الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أم العلاء – امرأة من الأنصار – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما دخل على عثمان بن مظعون – وقد مات – قلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” وما يدريك أن الله أكرمه ؟ “ فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، فمن ؟ فقال : ” أما هو فقد جاءه اليقين ، وإني لأرجو له الخير “
ويستدل من هذه الآية الكريمة وهي قوله : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) – على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا فيصلي بحسب حاله ، كما ثبت في صحيح البخاري ، عن عمران بن حصين – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب “
ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم . وهذا كفر وضلال وجهل ، فإن الأنبياء – عليهم السلام – كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته ، وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة . وإنما المراد باليقين هاهنا الموت ، كما قدمناه . ولله الحمد والمنة ، والحمد لله على الهداية ، وعليه الاستعانة والتوكل ، وهو المسئول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها [ فإنه جواد كريم ]
[ وحسبنا الله ونعم الوكيل ]